يرى الكاتب جمال قنج أن التاريخ يعجّ بأمثلة تورّط الشركات الكبرى في تغذية الحروب ومشاريع الاستعمار، من تكنولوجيا IBM في معسكرات الموت النازية، إلى شركات موّلت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. اليوم، يكرر عمالقة وادي السيليكون النمط ذاته، لكن بأدوات رقمية أشد فتكاً، إذ يزوّدون إسرائيل بالبنية التكنولوجية والدعائية التي تُمكّن الإبادة في غزة وتغسل صورتها عالمياً.
يناقش المقال، الذي نُشر في موقع ميدل إيست مونيتور، تواطؤ الشركات متعددة الجنسيات مع جرائم كبرى، حيث تحلّ الخوارزميات والحوسبة السحابية محل السلاح التقليدي، وتتحول السيطرة على السردية إلى جزء من المعركة.
التكنولوجيا كسلاح: من الخوارزمية إلى قائمة القتل
يكشف قنج أن التعاون بين إسرائيل وشركات التكنولوجيا لا يقتصر على الأجهزة والبرمجيات، بل يمتد إلى التحكم في الرواية العامة. وفق تقارير صحفية، وقّعت جوجل عقداً بقيمة 45 مليون دولار مع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للترويج لروايات حكومية تقلّل من الكارثة الإنسانية في غزة. جاء ذلك بعد خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار في 2 مارس ومنعها دخول الغذاء والدواء والوقود، حيث ادّعت الحملة الرقمية أن «لا مجاعة في غزة»، بينما كان الأطفال الفلسطينيون يموتون جوعاً.
على الصعيد العسكري، وقّعت مايكروسوفت عام 2021 عقداً بقيمة 133 مليون دولار جعل الجيش الإسرائيلي ثاني أكبر عملائها الدفاعيين بعد الولايات المتحدة. شمل العقد أكثر من 600 اشتراك في منصة Azure مرتبطة بوحدات عسكرية، منها وحدة 8200 السيبرانية. دعمت مراكز البيانات هذه أنظمة ذكاء اصطناعي استخدمها الجيش لإنتاج «قوائم قتل» عبر برامج مثل «جوسبل» و«لافندر»، التي تصنّف الفلسطينيين وفق احتمالات الاشتباه بالانتماء المسلح بناءً على بيانات هاتفية وروابط عائلية.
يحذّر الكاتب من ظاهرة «هلوسة الذكاء الاصطناعي»، حيث تولّد الأنظمة معلومات تبدو مقنعة لكنها مفبركة، ما يحوّل الخوارزمية إلى أداة قتل جماعي عالية الكفاءة، لا إلى وسيلة «تنظيف» للحرب.
إسكات الداخل: قمع الموظفين وتطبيع الانتهاكات
داخل هذه الشركات، واجه موظفون هذا التواطؤ بالاحتجاج. نظّم عاملون في مايكروسوفت وقفات تضامن مع اللاجئين الفلسطينيين، ففصلت الإدارة بعضهم. قال أحد النشطاء إن «الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي صارا قنابل القرن الحادي والعشرين». بدلاً من مراجعة السياسات، اختارت الشركات إسكات الأصوات الناقدة.
يتكرر المشهد في جوجل، التي تشارك مع أمازون في مشروع «نيمبوس» بقيمة 1.2 مليار دولار لتزويد الحكومة والجيش الإسرائيليين بخدمات سحابية وذكاء اصطناعي. وصف مهندس سابق المشروع بأنه «سحابة سيادية» تتيح استخدام التكنولوجيا بلا أي اعتبار للقانون الدولي. عندما احتج موظفون، استدعت الشركة الشرطة وفصلت 28 عاملاً.
يمضي قنج أبعد من ذلك، فيشير إلى تغييرات سياسية داخل شركات الذكاء الاصطناعي. عدّلت OpenAI سياساتها للسماح بالاستخدام العسكري، وحذفت غوغل بنوداً تمنع توظيف الذكاء الاصطناعي في الأسلحة أو المراقبة. دعا مدير شركة Palantir إلى بناء أسراب طائرات مسيّرة وروبوتات للمعارك المقبلة، ما يعكس تسارع عسكرة وادي السيليكون.
تبييض الإبادة: السيطرة على السردية والإعلام
لا تكتفي شركات التكنولوجيا بتسهيل القتل على الأرض، بل تلعب دوراً محورياً في تبييضه إعلامياً. يبرز الكاتب مثال شركة «ميتا»، المالكة لفيسبوك وإنستغرام وواتساب، التي عيّنت موظفة سابقة في السفارة الإسرائيلية مسؤولة عن سياسات «إسرائيل والشتات اليهودي». تفاخرت المسؤولة بدورها في إسكات المحتوى الداعم لفلسطين، بينما تضخّم المنصات روايات دعائية إسرائيلية وتقيّد انتشار صور الجرائم.
يخلص المقال إلى أن بنية الإبادة الإسرائيلية لا تقوم على الطائرات والدبابات وحدها، بل على خوارزميات، وسيرفرات، ومنصات تواصل تصنع «ضباباً رقمياً» يطمس الحقيقة. يطرح قنج سؤالاً أخلاقياً وسياسياً حاداً: هل سيحاسب العالم الشركات التي تصمّم أدوات القتل وتغطي جرائمه، أم سيبقى التركيز على الدولة التي تضغط على الزناد فقط؟
برأي الكاتب، لا تنفصل مسؤولية هذه الشركات عن الجريمة ذاتها. فهي لا تجعل الحرب «أكثر كفاءة» فحسب، بل تحوّل الإبادة إلى عملية مُدارة رقمياً، وتمنحها غطاءً إعلامياً يسمح باستمرارها دون مساءلة.
https://www.middleeastmonitor.com/20251215-big-tech-and-the-architecture-of-the-israeli-genocide-against-palestinians-from-execution-to-media-whitewashing/

